سورة إبراهيم - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{يَتَجَرَّعُهُ} يتكلف جرعه وهو صفة لماء، أو حال من الضمير في {يسقى} {وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} ولا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه بل يغص به فيطول عذابه، والسوغ جواز الشراب على الحلق بسهولة وقبول نفس. {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ} أي أسبابه من الشدائد فتحيط به من جميع الجهات. وقيل من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله. {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} فيستريح. {وَمِن وَرَائِهِ} ومن بين يديه. {عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي يستقبل في كل وقت عذاباً أشد مما هو عليه. وقيل هو الخلود في النار. وقيل حبس الأنفاس. وقيل الآية منقطعة عن قصة الرسل نازلة في أهل مكة طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنيهم التي أرسل الله تعالى عليهم بدعوة رسوله، فخيب رجاءهم فلم يسقهم ووعد لهم أن يسقيهم في جهنم بدل سقياهم صديد أهل النار.
{مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ} مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم صفتهم التي هي مثل في الغرابة، أو قوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} وهو على الأول جملة مستأنفة لبيان مثلهم. وقيل: {أعمالهم} بدل من ال {مَثَلُ} والخبر {كَرَمَادٍ}. {اشتدت بِهِ الريح} حملته وأسرعت الذهاب به وقرأ نافع {الرياح}. {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} العصف اشتداد الريح وصف به زمانه للمبالغة كقولهم: نهاره صائم وليله قائم، شبه صنائعهم من الصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وعتق الرقاب ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها هباء منثوراً، لبنائها على غير أساس من معرفة الله تعالى والتوجه بها إليه، أو أعمالهم للأصنام برماد طيرته الريح العاصف. {لاَّ يَقْدِرُونَ} يوم القيامة. {مِمَّا كَسَبُواْ} من أعمالهم. {على شَئ} لحبوطه فلا يرون له أثراً من الثواب وهو فذلكة التمثيل. {ذلك} إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون. {هُوَ الضلال البعيد} فإنه الغاية في البعد عن طريق الحق.
{أَلَمْ تَرَ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أمته. وقيل لكل واحد من الكفرة على التلوين. {أَنَّ الله خَلَقَ السموات والأرض بالحق} والحكمة والوجه الذي يحق أن تخلق عليه، وقرأ حمزة والكسائي {خالق السموات}. {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} يعدمكم ويخلق خلقاً آخر مكانكم، رتب ذلك على كونه خالقاً للسموات والأرض استدلالاً به عليه، فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم ثم كونهم بتبديل الصور وتغيير الطبائع قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك كما قال: {وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بمتعذر أو متعسر فإنه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، ومن كان هذا شأنه كان حقيقاً بأن يؤمن به ويعبد رجاء لثوابه وخوفاً من عقابه يوم الجزاء.
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا} أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر الله تعالى ومحاسبته، أو {لِلَّهِ} على ظنهم فإنهم كانوا يخفون ارتكاب الفواحش ويظنون أنها تخفى على الله تعالى، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله تعالى عند أنفسهم، وإنما ذكر بلفظ الماضي لتحقق وقوعه. {فَقَالَ الضعفاء} الأتباع جمع ضعيف يريد به ضعاف الرأي، وإنما كتبت بالواو على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو. {لِلَّذِينَ استكبروا} لرؤوسائهم الذين استتبعوهم واستغووهم. {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} في تكذيب الرسل والاعراض عن نصائحهم، وهو جمع تابع كغائب وغيب، أو مصدر نعت به للمبالغة أو على إضمار مضاف. {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا} دافعون عنا. {مِنْ عَذَابِ الله مِنْ شَئ} من الأولى للبيان واقعة موقع الحال، والثانية للتبعيض واقعة موقع المفعول أي بعض الشيء الذي هو عذاب الله، ويجوز أن تكونا للتبعيض أي بعض شيء هو بعض عذاب الله، والإِعراب ما سبق ويحتمل أن تكون الأولى مفعولاً والثانية مصدراً، أي فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإِغناء. {قَالُواْ} أي الذين استكبروا جواباً عن معاتبة الأتباع واعتذاراً عما فعلوا بهم. {لَوْ هَدَانَا الله} للإيمان ووفقنا له. {لَهَدَيْنَاكُمْ} ولكن ضللنا فأضللناكم أي اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا، أو لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم وأغنيناه عنكم كما عرضناكم له، لكن سد دوننا طريق الخلاص. {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} مستويان علينا الجزع والصبر. {مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} منجى ومهرب من العذاب، من الحيص وهو العدل على جهة الفرار، وهو يحتمل أن يكون مكاناً كالمبيت ومصدراً كالمغيب، ويجوز أن يكون قوله: {سَوَاء عَلَيْنَا} من كلام الفريقين ويؤيده ما روي أنهم يقولون: تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم، فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون كذلك ثم يقولون {سَوَاء عَلَيْنَا}.


{وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِىَ الأمر} أحكم وفرغ منه ودخل أهل الجنة الجنّة وأهل النار النار خطيباً في الأشقياء من الثقلين. {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق} وعداً من حقه أن ينجزه أو وعداً أنجزه وهو الوعد بالبعث والجزاء. {وَوَعَدتُّكُمْ} وعد الباطل وهو أن ألا بعث ولا حساب وإن كانا فالأصنام تشفع لكم. {فَأَخْلَفْتُكُمْ} جعل تبين خلف وعده كالاخلاف منه. {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّنْ سلطان} تسلط فألجئكم إلى الكفر والمعاصي. {إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ} إلا دعائي إياكم إليها بتسويلي وهو ليس من جنس السلطان ولكنه على طريقة قولهم:
تحية بينهم ضرب وجيع ***
ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً. {فاستجبتم لِى} أسرعتم إجابتي. {فَلاَ تَلُومُونِى} بوسوستي فإن من صرح العداوة لا يلام بأمثال ذلك. {وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} حيث أطعتموني إذ دعوتكم ولم تطيعوا ربكم لما دعاكم، واحتجت المعتزلة بأمثال ذلك على استقلال العبد بأفعاله وليس فيها ما يدل عليه، إذ يكفي لصحتها أن يكون لقدرة العبد مدخل ما في فعله وهو الكسب الذي يقوله أصحابنا. {مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ} بمغيثكم من العذاب. {وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ} بمغيثي وقرأ حمزة بكسر الياء على الأصل في التقاء الساكنين، وهو أصل مرفوض في مثله لما فيه. من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع أن حركة ياء الإضافة الفتح، فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحري أن لا تكسر وقبلها ياء، أو على لغة من يزيد ياء على ياء الإضافة إجراء لها مجرى الهاء والكاف في: ضربته، وأعطيتكه، وحذف الياء اكتفاء بالكسرة. {إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} (ما) إما مصدرية و{مِنْ} متعلقة بأشركتموني أي كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم أي في الدنيا بمعنى تبرأت منه واستنكرته كقوله: {وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أو موصولة بمعنى من نحو ما في قولهم: سبحان ما سخركن لنا، و{مِنْ} متعلقة ب {كَفَرْتُ} أي كفرت بالذي أشركتمونيه وهو الله تعالى بطاعتكم إياي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها من قبل إشراككم، حين رددت أمره بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام وأشرك منقول من شركت زيداً للتعدية إلى مفعول ثان. {إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} تتمة كلامه أو ابتداء كلام من الله تعالى وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم.


{وَأُدْخِلَ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} بإذن الله تعالى وأمره والمدخلون هم الملائكة. وقرئ: {وَأُدْخِلَ} على التكلم فيكون قوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} متعلقاً بقوله: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام} أي تحييهم الملائكة فيها بالسلام بإذن ربهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8